رمضان يودع خلانه ... وأنا زعلانه علشانه

--------------------------------------------------------------------------------




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رمضان يودع خلانه ... وأنا زعلانه علشانه




لطالما سمعت أمي تردد هذه الترنيمة في الأيام الأخيرة من رمضان وصوتها يتهدج بالبكاء ..



كانت ترددها بلحن حزين وجميل يجبرك على الإنصات له ولكلماته العذبة رغم أنها كلمات عامية بسيطة ...

كنت دوماً أعجب من بكاء أمي لفراق رمضان وحزنها عليه وكنت أقول في نفسي

ألا يأتي رمضان في كل عام؟؟فلم الحزن ؟!!



ولكنهاأنا اليوم وبعد مرور بضعة سنوات على تساؤلاتي الساذجة ، أجدني أبكي حزنا ً على فراق رمضان ...

وأتمنى أن لا ينتهي أبداً ...

فعلى الرغم من العمل المتواصل والعبادة المكثفة في هذا الشهر إلا أنني أتمنى أن تكون أيام السنة كلها رمضان!!!

وكيف لا أشعر هكذا والأيام الأخيرة من رمضان هي أجمل الأيام ....

وكأنها تزداد جمالاً وبركة وخيراً لنزداد حزناً عليها عند فراقها!!

كيف لا أحزن لفراق رمضان وأنا أقوم الليل وأقرأ القرآن وأحس بالسعادة تملأ جوانحي

وأشعر أن الله معي في كل دقيقة وثانية ؟؟

كيف لا أحزن عندما أتذكر المشي إلى صلاة التراويح ثم إلى صلاة الفجر
ثم العودة إلى البيت والسماء تكشف رويداً رويداً عن ثوبها الأزرق الصافي عن صباح يوم جديد....

ما أسعدها من لحظات نادرة أعيشها في رمضان ...



لحظات تتجمع فيها أسرتنا الصغيرة المكونة من خمسة أفراد ...

نتجمع لأداء الصلاة في المسجد ونعود وأرواحنا نقية وصافية ....

الكل متحمس للصلاو والعبادة ...

الكل يتنافس للصلاة والعبادة ...

الكل يتنافس على قراءة القرآن وعلى الصلاة أكثر من الآخر ...

الجميع سعداء وكأننا الزهور فرحةً برذاذ المطر ...

ولكن الزمن لا يمكن أن يتوقف لمجرد أن شعرنا بالسعادة !!!

وتمضي أيام رمضان ولحظاته الروحانية خاطفة خفيفة...
.
ونفاجأ بأنه اليوم الأخير من رمضان ، وكأننا في حلم...


كيف لم نشعر بالأيام وهي تمضي ؟؟!!


إن رمضان لم يكد يبدأ حتى ينتهي! كيف لم نتيقظ لذلك ؟؟

هل لأن أيام السعادة تمضي بسرعة ؟؟؟


أم لأننا بشر وطبيعتنا البشرية تتغلب في معظم الأحيان على شفافيتنا وروحانيتنا؟؟



أظن أن هذا هو الجواب...

لذا أشعر برغبة في البكاء ... أشعر بحزن وأسى لأن لحظات السمو الروحاني آن لها أن تذهب لتبقى الطبائع الأرضية ....


وهل هناك خير من رمضان للسمو بالإنسان والإرتقاء به إلى ما يقرب من الملائكة؟؟؟





هذه السنة من دون السنوات السابقة شعرت بحزن عميق لفراق رمضان....
هذه السنة لم تردد أمي تلك الترنيمة الشجية فقط ، بل قالت ما جعلني أحزن أكثر ...

قالت أنها تحس بأن السماء تصبح مظلمة في غير رمضان ....

إن سماء رمضان لها ضياء خاص من قبس رب العالمين ...

اليوم فقط فهمت لماذا تبكي أمي عندما يبدأ رمضان في توديع خلانه ...

أظن أنه دار ببالها نفس الشيء الذي يدور ببالي الآن ...




ترى هل اسغليت الفرصة التي منحها لي رب العالمين في التوبة والارتقاء والسمو؟؟أم أنني كنت من المقصرين؟؟
وهل سيعود رمضان وأنا على هذه الدنيا لأجد حلاوة العبادة مرة أخرى وأكفر عن ذنوبي ؟؟
أم أن الله سيقضي أمره وتسقط ورقتي فألاقي وجهه الكريم وذنوبي أكثر من أن أحصيها ؟"